فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل لا يتعين لأن ذلك أمر له بإيجاب الزكاة على أمته وهو خلاف الظاهر، وإذا قيل يحمل للزكاة على الظاهر فالظاهر أن المراد {أوصاني} بأداء زكاة المال أن ملكته فلا مانع من أن يشمل التوقيت بقوله سبحانه: {والزكواة مَا دُمْتُ حَيًّا} مدة كونه عليه السلام في السماء، ويلتزم القول بوجوب الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام هناك كذا قيل.
وأنت تعلم أن الظاهر المتبادر من المدة المذكورة مدة كونه عليه الصلاة والسلام حيًا في الدنيا على ما هو المتعارف وذلك لا يشمل مدة كونه عليه السلام في السماء، ونقل ابن عطية أن أهل المدينة وابن كثير وأبا عمرو قرأوا {دُمْتُ} بكسر الدال ولم نجد ذلك لغيره نعم قيل إن ذلك لغة.
{وَبَرًّا بِوَالِدَتِى} عطف على {مُبَارَكًا} [مريم: 31] على ما قال الحوفي وأبو البقاء، وتعقبه أبو حيان بأن فيه بعدًا للفصل بالجملة ومتعلقها اختار إضمار فعل أي وجعلني بارًا بها، قيل هذا كالصريح في أنه عليه السلام لا والد له فهو أظهر الجمل في الإشارة إلى براءتها عليها السلام.
وقرىء {برًا} بكسر الباء ووجه نصبه نحو ما مر في القراءة المتواترة، وجعل ذاته عليه السلام برًا من باب فإنما هي إقبال وإدبار، وجوز أن يكون النصب بفعل في معنى {أوصاني} أي وألزمني أو وكلفني برًا فهو من باب:
علفتها تبنًا وماءً باردًا

وأقرب منه على ما في (الكشف) لأنه مثل زيدًا مررت به في التناسب وإن لم يكن من بابه.
وجوز أن يكون معطوفًا على محل {أَهْلَكَ بالصلاة} كما قيل في قراءة {أَرْجُلِكُمْ} بالنصب، وقيل إن أوصى قد يتعدى للمفعول الثاني بنفسه كما وقع في (البخاري) أوصيناك دينًا واحدًا، والظاهر أن الفعل في مثل ذلك مضمن معنى ما يتعدى بنفسه، وحكى الزهراوي وأبو البقاء أنه قرىء {وبر} بكسر الباء والراء وهو معطوف على الصلاة والزكاة قولًا واحدًا، والتنكير للتفخيم {بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا} أي لم يقض على سبحانه بذلك في علمه الأزلي، وقد كان عليه السلام في غاية التواضع يأكل الشجر ويلبس الشعر ويجلس على التراب ولم يتخذ مسكنًا، وكان عليه السلام يقول: سلوني فإني لين القلب صغير في نفسي.
{والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} تقدم الكلام في وجه تخصيص هذه المواطن بالذكر فتذكر فما في العهد من قدم.
والأظهر بل الصحيح أن التعريف للجنس جىء به تعريضًا باللعنة على متهمي مريم وأعدائها عليها السلام من اليهود فإنه إذا قال جنس السلام على خاصة فقد عرض بأن ضده عليكم، ونظيره قوله تعالى: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} [طه: 47] يعني أن العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام مناكرة وعناد فهو مئنة لنحو هذا من التعريض.
والقول بأنه لتعريف العهد خلاف الظاهر بل غير صحيح لا لأن المعهود سلام يحيى عليه الصلاة والسلام وعينه لا يكون سلامًا لعيسى عليه الصلاة والسلام لجواز أن يكون من قبيل {هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} [البقرة: 25] بل لأن هذا الكلام منقطع عن ذلك وجودًا وسردًا فيكون معهودًا غير سابق لفظًا ومعنى على أن المقام يقتضي التعريض ويفوت على ذلك التقدير لأن التقابل إنما ينشأ من اختصاص جميع السلام به عليه كذا في (الكشف) والاكتفاء في العهد به لتصحيحه بذكره في الحكاية لا يخفى حاله وسلام يحيى عليه السلام قيل لكونه من قول الله تعالى أرجح من هذا السلام لكونه من قول عيسى عليه السلام، وقيل هذا أرجح لما فيه من إقامة الله تعالى إياه في ذلك مقام نفسه مع إفادة اختصاص جميع السلام به عليه السلام فتأمل.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {يَوْمَ وُلِدْتُّ} بتاء التأنيث وإسناد الفعل إلى والدته. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}.
أنطقه الله بذلك. أولًا تحقيقًا للحق في شأنه وتنزيهًا لله تعالى عن الولد، ردًّا على من يزعم ربوبيته ونبوَّته: {آتَانِيَ الْكِتَابَ} أي: الإنجيل: {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} أي: كثير الخير حيثما وجدت. أبلغ وحي ربي لتقويم النفوس وكبح الشهوات والأخذ بما هو مناط السعادات. والتعبير بلفظ الماضي في الأفعال الثلاثة، إما باعتبار ما سبق في القضاء المحتوم، أو جعل الآتي، لا محالة، كأنه وجد: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} أي: أمرني بالعبادة وإنفاق المال مدة حياتي.
{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}.
أي: مستكبرًا عن طاعته وأمره.
{والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} أي: الذي فصلت نعوته الجليلة وخصائصه الباهرة. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن أول كلمة نطق لهم بعا عيسى وهو صبي في مهده أنه عبد الله، وفي ذلك أعظم زجر للنصارى عن دعواهم أنه الله، أو ابنه أو إله معه! وهذه الكلمة التي نطق بها عيسى في أول خطابه لهم ذكرها الله جل وعلا عنه في مواضع أخر. كقوله تعالى: {وَقَالَ المسيح يا بني إِسْرَائِيلَ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 72] وقوله في (آل عمران): {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 51]، وقوله في (الزخرف) {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [الزخرف: 6-64]، وقوله هنا في سورة (مريم): {وَإِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [مريم: 36]، وقوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117]. الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {آتَانِيَ الكتاب وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} التحقيق فيه إن شاء الله: أنه عبر بالماضي عما سيقع في المستقبل لتحقق الوقوع منزلة الوقوع. ونظائره في القرآن كثيرة. كقوله تعالى: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، وقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكتاب وَجِيءَ بالنبيين والشهداء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} [الزمر: 68-70]. {وَسِيقَ الذين كفروا} [الزمر: 68-71]. وقوله تعالى: {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ} [الزمر: 73].
فهذه الأفعال الماضية المذكورة في الآيات بمعنى المستقبل. تنزيلًا لتحقق الوقوع منزلة الوقوع بالفعل، ونظائرها كثيرة في القرآن. وهذا الذي ذكرنا- من أن الأفعال الماضية في قوله تعالى: {آتَانِيَ الكتاب}.. إلخ. بمعنى المستقبل هو الصواب إن شاء الله. خلافًا لمن زعم أنه نبيء وأوتي الكتاب في حال صباه لظاهر اللفظ. وقوله: {وجلعني مباركًا} أي كثير البركات. لأنه يعلم الخير ويدعو إلى الله، ويبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية {مباركًا أين ما كنت}: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاعًا حيث كنت. وقال ابن حجر في (الكافي الشاف): أخرجه أبو نعيم (في الحلية) في ترجمة يونس بن عبيد عن الحسن عن أبس هريرة بهذا وأتم. وقال: تفرد به هشيم عن يونس، وعنه شعيب بن محمد الكوفي، ورواه ابن مردويه من هذا الوجه اهـ.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وبرًا بوالدتي} قال الحوفي وأبو البقاء: هو معطوف على قوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} [مريم: 31]. وقال أبو حيان (في البحر): وفيه بعد للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجملة التي هي {أوصاني} ومتعلقها. والأولى أنه منصوب بفعل مضمر. أي وجعلني برًا بوالدتي. ولما قال بوالدتي ولم يقل بوالدي- علم أنه أمر من قبل الله. كما ذكره القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقد قدمنا معنى (الجبار والشقي). وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: {شقيًا} أي خائبًا من الخير. ابن عباس: عامًَّا وقيل عاصيًا لربه. وقيل: لم يجعلني تاركًا لأمره فأشقى كما شقي إبليس. اهـ. كلام القرطبي.
تنبيه:
احتج مالك رحمه الله بهذه الآبة على القدرية. قال أبو عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: قال مالك بن انس رحمه الله تعالى في هذه الآية: ما أشدها على أهل القدر. أخبر عيسى عليه السلام بما قضى من أمره وبما هو كائن إلى أن يموت. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)}.
كلام عيسى هذا مما أهملته أناجيل النصارى لأنهم طووا خبر وصولها إلى أهلها بعد وضعها، وهو طيّ يتعجب منه.
ويدل على أنها كتبت في أحوال غير مضبوطة، فأطلع الله تعالى عليه نبيئه صلى الله عليه وسلم.
والابتداء بوصف العبودية لله ألقاه الله على لسان عيسى لأن الله علم بأن قومًا سيقولون: إنه ابن الله.
والتعبير عن إيتاء الكتاب بفعل المضي مراد به أن الله قدّر إيتاءه إياه، أي قدّر أن يوتيني الكتاب.
والكتاب: الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير.
فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن.
والمراد بالكتاب الإنجيل وهو ما كتب من الوحي الذي خاطب الله به عيسى.
ويجوز أن يراد بالكتاب التوراة فيكون الإيتاء إيتاءَ علم ما في التوراة كقوله تعالى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} [مريم: 12] فيكون قوله: {وجعلني نبيئًا} ارتقاء في المراتب التي آتاه الله إياها.
والقول في التعبير عنه بالماضي كالقول في قوله و{ءاتانِي الكِتَابَ}.
والمبارَك: الذي تُقارن البركةُ أحوالَه في أعماله ومحاورته ونحو ذلك، لأن المبارك اسم مفعول من باركه، إذا جعله ذا بركة، أو من بَارك فيه، إذا جعل البركة معه.
والبركة: الخير واليمن.
ذلك أن الله أرسله برحمة لبني إسرائيل ليُحلّ لهم بعض الذي حُرم عليهم وليدعوَهم إلى مكارم الأخلاق بعد أن قست قلوبهم وغيروا من دينهم، فهذه أعظم بركة تقارنه.
ومن بركته أن جعل الله حُلوله في المكان سببًا لخير أهل تلك البقعة من خصبها واهتداء أهلها وتوفيقهم إلى الخير، ولذلك كان إذا لقيه الجهلة والقُسَاة والمفسدون انقلبوا صالحين وانفتحت قلوبهم للإيمان والحكمة، ولذلك ترى أكثر الحواريين كانوا من عامة الأميين من صيادين وعشّارين فصاروا دُعاة هدى وفاضت ألسنتهم بالحكمة.
وبهذا يظهر أن كونه مباركًا أعم من كونه نبيئًا عمومًا وجهيًا، فلم يكن في قوله: {وجعلنبي نبيئًا} غُنية عن قوله: {وجعلني مُبَاركًا}.
والتعميم الذي في قوله: {أين مَا كُنتُ} تعميم للأمكنة، أي لا تقتصر بركته على كونه في الهيكل بالمقدس أو في مجمع أهل بلده، بل هو حيثما حلّ تحلّ معه البركة.
والوصاية: الأمر المؤكد بعمل مستقبل، أي قدّر وصيتي بالصلاة والزكاة، أي أن يأمرني بهما أمرًا مؤكدًا مستمرًا، فاستعمال صيغة المضي في {أوصاني} مثل استعمالها في قوله: {ءاتَانِي الكِتَابَ}.
والزّكاة: الصدقة.
والمراد: أن يصلّي ويزكّي.
وهذا أمر خاص به كما أمر نبيئنا صلى الله عليه وسلم بقيام الليل، وقرينة الخصوص قوله: {مَا دُمْتُ حَيًّا} لدلالته على استغراق مدة حياته بإيقاع الصلاة والصدقة، أي أن يصلي ويتصدّق في أوقات التمكن من ذلك، أي غير أوقات الدعوة أو الضرورات.
فالاستغراق المستفاد من قوله: {مَا دُمْتُ حَيًّا} استغراقٌ عرفي مراد به الكثرة؛ وليس المراد الصلاة والصدقة المفروضتين على أمته، لأن سياق الكلام في أوصاف تميّز بها عيسى عليه السلام، ولأنه لم يأت بشرع صلاة زائدة على ما شرع في التوراة.
والبَرّ بفتح الباء: اسم بمعنى البار.
وتقدم آنفًا.
وقد خصه الله تعالى بذلك بين قومه، لأن برّ الوالدين كان ضعيفًا في بني إسرائيل يومئذ، وبخاصة الوالدة لأنها تستضعف، لأن فرط حنانها ومشقتها قد يجرئان الولد على التساهل في البرّ بها.
والجبّار: المتكبر الغليظ على الناس في معاملتهم.
وقد تقدم في سورة هود (59) قوله: {واتبعوا أمر كل جبار عنيد}.
{والشقيّ}: الخاسر والذي تكون أحواله كدرة له ومؤلمة، وهو ضدّ السعيد.
وتقدّم عند قوله تعالى: {فمنهم شقي وسعيد} في آخر سورة هود (105).
ووصف الجبار بالشقي باعتبار مآله في الآخرة وربما في الدنيا.
وقوله: {والسلام عليَّ يَوْم وُلِدتُّ} إلى آخره، تنويه بكرامته عند الله، أجراه على لسانه ليعلموا أنه بمحل العناية من ربّه، والقول فيه تقدّم في آية ذكر يحيى.
وجيء بالسَّلامُ هنا معرّفًا باللام الدالة على الجنس مبالغة في تعلّق السلام به حتى كان جنس السلام بأجمعه عليه.
وهذا مؤذن بتفضيله على يحيى إذ قيل في شأنه {وسَلام عليه يومُ ولد} [مريم: 15]، وذلك هو الفرق بين المعرّف بلام الجنس وبين النكرة.
ويجوز جعل اللام للعهد، أي سلام إليه، وهو كناية عن تكريم الله عبده بالثناء عليه في الملأ الأعلى وبالأمر بكرامته.
ومن هذا القبيل السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56]، وما أمرنا به في التشهد في الصلاة من قول المتشهد: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).
ومؤذن أيضًا بتمهيد التّعريض باليهود إذ طعنوا فيه وشتموه في الأحوال الثلاثة، فقالوا: ولد من زنى، وقالوا: مات مصلوبًا، وقالوا: يحشر مع الملاحدة والكفرة، لأنهم يزعمون أنه كفر بأحكام من التوراة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)}.
وكأنه قال للقوم: لا تتكلموا أنتم، أنا الذي سأتكلم. ثم بادرهم بالكلام: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله} [مريم: 30] وهكذا استهلّ عيسى عليه السلام كلامه بإظهار عبوديته لله تعالى، وفي هذه دليل على أنه قد يُقال فيه أنه ليس عبدًا، وأنه إله أو شريك للإله.
لذلك كانت أو كلمة نطق بها {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله} [مريم: 30] فالمعجزة التي جاءتْ بي لا تمنع كَوْني عبدًا لله؛ لذلك لو سألتَ الذين يعتقدون في عيسى عليه السلام أنه إله أو شريك للإله: إنكم تقولون أنه تكلّم في المهد، فماذا قال؟ فلا يعترفون بقوله أبدًا؛ لأن قوله ونُطْقه: {إِنِّي عَبْدُ الله} [مريم: 30] ينفي معتقدهم من أساسه.
ليس هذا وفقط، بل: {آتَانِيَ الكتاب} [مريم: 30] لكن كيف آتاه الكتاب وهو ما يزال وليدًا في مَهْده؟ قالوا: على اعتبار أنه أمرٌ مفروغ منه، وحادث لا شَكَّ فيه، كأنه يقول: أنا أَهْل لأنْ أتحملَ أمانةَ السماء إلى أهل الأرض. مع أن الكتاب لم يأتِ بعد، إلا أنه مُلقَّن لقَّنه ربه الكتاب بالفعل، وإنْ لم يأت الوقت الذي يُبلِّغ فيه هذا الكتاب.